Medine-i Münevvere’nin Güneyinde Cebelu Ayr جبل عَير Mevkiinde Ebu’l-Hevl’e ait erken İslâmi dönem kaya yazıtı ve tercümesi

 




Medine-i Münevvere’nin Güneyinde Cebelu Ayr  جبل عَير  Mevkiinde Ebu’l-Hevl’e ait erken İslâmi dönem kaya yazıtı ve tercümesi

 

Bu çok çok değerli keşiflerinden ve paylaşımlarından dolayı dostumuz, Üstad Ebu Abdillah Muhammed El-Muğazzevî

نوادر الآثار والنقوش

@mohammed93athar 'a teşekkürü borç biliriz

 

 

شكراً جزيلاً للسيّد الاستاذ الفاضل ابي عبد الله محمّد المغذّوي

@mohammed93athar

لأجل اكتشافاته و تغريداته و مشاركاته و قراءته القيّمة الصحيحة للنقوش الاسلامية المبكّرة

 

https://x.com/mohammed93athar/status/1764368932293443759?s=20



 


ثقة أبو (أبي)

الهول

بالله

 

Ebu’l-Hevl’in güveni/dayanması Allah’adır.




Notlar:

 

Medine-i Münevvere’de Ebu’l-Hevl künyesi ile meşhur olan Dâmis Ebu’l-Hevl’dir. Kinde meliklerinden Tarîf’in âzadlılarındandır. Hz. Ömer’in hilâfeti devrinde Halep üzerine yürüyen Ebu Ubeyde bin El-Cerrah’a imdat olarak Hz. Ömer tarafından gönderilen askerler/kuvvetler içinde yer almıştır. Bazı ravilerin nakline göre bir asker grubu ile Halep kalesine tırmanıp fethini sağlayanlardandır. Fütuhu’ş_şâm sahibi Vâkıdî’nin beyanına göre Ebu’l-Hevg Dâmis keskin siyah/kara gözlere sahipmiş. Bir deve veya yüksek bir süvari atına bindiği zaman ayakları yere değip sürünüyormuş. Dokuz yaşının üstünde uzun boylu bir deveye bindiği zaman da ayakları devenin neredeyse dizlerine ulaşıyormuş. Şecaat sahibi bir süvari olarak adı ve sanı her tarafa yayılmış. Kinde beldelerinde, Hadramevt vadilerinde, Mihre dağlarında ve Ardu’ş-Şecere’de Badiyelere korku salacak derecede nâmı yürümüş. Savlet ve Şecaatı Arapları hayrete sevk etmiş.

 

Vâkıdî’nin Fütuhu’ş-Şâm’ında Dâmis Ebu’l-Hevl

 

  مولى من مواشي بني طريف

من ملوك كندة ويقال له دامس ويكنى بأبي الأهوال مشهور باسمه وكنيته وكان أسود كثير السواد بصاصًا كأنه النخلة السحوق إذا ركب الفرس العالي من الخيل تخط رجلاه بالأرض وإن ركب البعير العالي تقارب ركبتاه رجلي البعير وكان فارسًا شجاعًا قويًا قد شاع ذكره ونما أمره وعلا قدره في بلاد كندة وأودية حضرموت وجبال مهرة وأرض الشجرة وقد أخاف البادية ونهب أموال الحاضرة وكان مع ذلك لا تدركه الخيل العتاة وكان إذا أدركته العرب في باديتها تعجبت من صولته وشجاعته وبراعته فلما سمع دامس أبو الهول يذكر يوقنا وما فعل بالمسلمين كاد أن يتمزق غيظًا وحنقًا وقال لعبد الله بن قرط‏:‏ أبشر يا أخا العرب فوالله لأجتهدن في أن يخذله الله على يدي فلما سمع عبد الله كلامه جعل ينظر إليه شزرًا وقال‏:‏ يا ابن السوداء لقد حدثتك نفسك آمالًا لا تبلغها وأشياء لا تدركها يا ويلك ألم تعلم أن فرسان المسلمين وأبطال الموحدين بأجمعهم له محاصرون ولأصحابه محاربون ومع ذلك لا يقدر أحد له على شر وقد كاد ملوكًا وقهرها‏.‏

فلما سمع دامس كلام عبد الله بن قرص غضب وقال‏:‏ والله يا عبد الله لولا ما يلزمني لك من أخوة الإسلام لبدأت بك قبله فأحذر أن تزدري بالرجال وإن أحببت أن تعرفني فسل عني من حضر من أهلي وما قد تقدم من فعلي الذي من ذكره تطيمش العقول وتضيق الصدور كم من عساكر قتلتها وجموع فرقتها ومحافل بددها وغارات شننتها ولا يضام لي جار ولا يلحقني عار وبحمد الله أنا فارس كرار غير فرار‏.‏

ثم تركه مغضبًا وسار أمام الناس وإن قومًا من العرب قالوا لعبد الله بن قرط‏:‏ يا أخا العرب ارفق بنفسك فإنك وايم الله تخاطب رجلًا يقرب إليه البعيد ويهون عليه الصعب الشديد وإنه لجليد فريد لا تهوله الرجال ولا تفزعه الأبطال إن كان في حرب كان في أوله لا يدركه من طلب ولا يفوته من هرب فقال عبد الله‏:‏ لقد كثر وصفكم وأطنبتكم في ذكركم وأرجو أن يجعل الله فيه خيرًا وفرجًا للمسلمين قال ثم أخذ القوم في جد السير حتى قدموا حلب إلى أبي عبيدة وهو منازل أهل قلعة حلب ومحاصرها وقد أحاط المسلمون بالقلعة من كل جانب فلما أشرف القوم عليهم أخذوا في زينتهم وجردوا سيوفهم وأشهروا سلاحهم ونشروا راياتهم وكبروا بأجمعهم وصلوا على نبيهم‏.‏

فأجابهم أهل العسكر بالتكبير من كل جانب واستقبلهم أبو عبيدة وسلم عليهم وسلموا عليه ونزل كل قوم عند بني عمهم وعشيرتهم ويوقنا ما زال في كل ليلة ينشط إليهم برجاله ويناوشهم وذلك أنه كان لا يقاتلهم إلا قليلًا ولا يظهر من القلعة نهارًا أبدًا وكان أكثر خروجه في وقت خروج الناس فلما بات المسلمون القادمون في تلك الليلة ونظرت طيء وشنبس ونبهان وكندة وحضرموت إلى شدة الحرس وعظم حرسهم وحفرهم أقبل دامس أبو الهول على أهله الذين نزل عليهم من طريف وكندة فقال لهم دامس‏:‏ والله ما أنتم محاصرون لا محالة فقالوا له‏:‏ وكيف ذلك‏.‏

قال‏:‏ لأن العدو في رأس قلعة وأنتم قدام العدو من الأرض لقربكم ولا عسكر بإزائكم تخافونه فما هذا الخوف‏.‏

قالوا‏:‏ يا أبا الهول إن صاحب هو القلعة علج ميشوم يرتقب غفلتنا ويغير على أطرافنا ويأتينا من مأمننا فبينما دامس يخاطب القوم وإذا بالضجة قد وقعت في طرف عسكر المسلمين ولها جلبة عظيمة فوقف دامس منتضيًا حسامه متنكبًا حجفته وطلب الناحية التي سمع منها الصوت حمى بلغ إليها وإذا بيوقنا في خمسمائة رجل أبطال أنجاد وليوث شداد وقد وجد فرقة من القوم فلما نظر دامس إلى الروم وقع في وسطهم وجعل يقول‏:‏ ليث هزبر بطل ممارس مدمر كل عدو ناكس قال‏:‏ وجعل يضرب في أعراضهم بسيفه ومعه طائفة من بني طريف من شجعان وفرسانهم فلما نظر يوقنا ما نزل به تقهقر إلى ورائه وقد قتل من رجاله مائتان ودامس يكر عليهم ويتبعهم إلى رأس لحرب القلعة وكندة من ورائه فناداهم أبو عبيدة‏:‏ عزيمة مني عليكم أن لا يتبعهم منكم أحد في ظلمة هذا الليل فقال الناس‏:‏ يا أبا الهول إن الأمير يعزم علينا وعليك بالرجوع فارجع رحمك الله فرجع دامس إلى رحله وتراجع القوم رحالهم وقد أبليت كندة بلاء حسنًا والناس قد خرجوا فلما أصبح الناس اجتمعوا للصلاة مع أبي عبيدة فلما قضيت الصلاة تفرقوا ولم يبق إلا نفر يسير من أمراء المسلمين فجعلوا يذكرون ليلتهم‏.‏

فقال خالد‏:‏ أصلح الله الأمير لقد رأيت كندة وقد أبليت بلاء حسنًا وقد تقدمت رجالها وثبتت أبطالها وما زالت تضرب حتى أزالت عنا حامية الكفر والعدو فقال أبو عبيدة‏:‏ صدقت والله يا أبا سليمان والله لقد أسعدت الناس كندة بثباتها والله لقد سمعتهم يقولون‏:‏ أحسن دامس وأجاد أبو الهول فقام إلى أبي عبيدة رجل من رؤساء كندة يقال له سراقة بن موداس بن يكرب فقال‏:‏ أصلح الله الأمير دامس هو أبو الهول وهو مولى ظريف قدم مع هذا الوفد الذي ورد بالأمس وهو رجل يفجر ويهول على الأبطال وبفضح الشجعان ويذل الأقران لا يهوله جمع ولا يصعب عليه غارة فقال أبو عبيدة لخالد‏:‏ أما تسمع كلام سراقة في عبدهم دامس فقال خالد‏:‏ يوشك أن يكون صادقًا في قوله ولقد سمعت بذكره وحديثة وشجاعته وبراعته ولقد أخبرني رجل يقال له النعمان بن عشيرة المهري أن دامسًا قد أغار وحده وهم على ساحل البحر في سبعين رجلًا من أهل مهرة وكان دامس هذا يطلبهم لأجل ثأر كان له عند القوم وكانوا يخافون منه ومن شره وبأسه فكانوا مع ذلك يفتدون بأموالهم ودوابهم ويهربون إلى أطراف الجبال وسواحل البحر حذرًا منه وكان مع ذلك يسأل عن أخبارهم ويطلع على آثارهم فلما صح عنده نزولهم على ساحل البحر استصرخ قومه للغزو فتشاغلوا ولم ينفر منهم أحد معه وكان خبيرًا بالبلاد سهلها ووعرها برها وبحرها فلما أيس من قومه دخل إلى خبايته واحتمل رزمة على عاتقه فأتاه أناس من قومه وقالوا له‏:‏ إلى أين تريد وما هذا الذي معك‏.‏

فقال‏:‏ يا قوم أنا أريد الغارة على بني الشعر وآخذ بالثأر وأكشف العار فقال له مشايخ الحي‏:‏ ما رأينا أعجب من أمرك وأنمت تعلم أن بني الشعر سبعون فمن يريد أن يغير عليهم وحده ويأخذ منهم بالثأر وما سمعنا بهذا أبدًا وإنا نرى أن تقصد جواد وكانت جواد هذه أمة لبني حياس من الحضارمة وكانت بقرية من قرى حضرموت يقال لها أسفل وكان دامس هذا يهواها وكل ما يأخذه من الأموال والخيل والإبل يدفعه إليها ولا يعظم عليه كثرته وكان لا يرضى لها بالقليل ولا يشبع لها بالكثير فظن القوم أنه مضى إليها وقصد نحوها بحملته التي معه من رزمته فقال لهم‏:‏ وأيم الله إني بطل فما تظنون‏.‏

وسوف تعلمون أن ما أفعله الحق واليقين‏.‏

قال‏:‏ فرجع قومه وتركوه وسار إلى أن أتى إلى مرعى قومه فأخذ راحلته من إبلهم ورحلها وأخذ سيفه وحجفته وجعل الرزمة تحته وسار بقيه يومه وليلته حتى إذا كان آخر الليل عطف بالراحلة إلى بعض الأودية فأبركها وحل رحلها وعقلها ودورها ترعى معقولة ثم كمن بين حجرين وكان قريبًا من القوم ويخاف أن يدوروا به فلما مضى عليه نهاره وأقبل ليله أتى إلى راحلته وأبركها ورحلها واستوى في كورها وسار حتى أشرف على نار القوم فعدل بناقته حتى اشرف على الحي وكان في ذلك الشرف شجر من الطلح فأبراك ناقته وزم شدقها لئلا ترغو فيسمع القوم رغاء‏.‏

ثم عمد إلى رزمته فحلها واستخرج منها الثياب وأتى إلى تلك الشجرة فجعل على كل عود منها مثل عمامة الرجل وبأتي بالعود ينصبه ويسنده بالحجارة ويطرح عليه الإزار ولم يزل حتى أقام أربعين عودًا على هذه الصفة وجعل عليه حلة حمراء أرجوانية وهبط من ذلك الشرف الذي عليه الثياب وقصد الحي ودار حول بيوتهم وتفكر في أمره وكيف يحتال وقد مضى أكثر الليل‏.‏

ثم صبر إلى أن طلع الفجر وسار نحو الساحل فلما قرب منهم صاح فيهم وقال‏:‏ دنا أجلكم أنا أبو الهول ولقد أصبحتم بالويل وأخذتم من البر والبحر وجعل ينادي‏:‏ يا لثأر طريف يا آل طريف يا آل كندة فلما وقع صوته في أسماعهم ذهلت رجالهم وتصارخت نساؤهم وفزع القوم بين يديه من البيوت هاربين وإلى الساحل نحو الجبل طالبين وهو من خلفهم فلما رأوه وحده شجع بعضهم بعضًا ورجعوا إليه يقاتلونه وطمعوا فيه لما رأوه وحده ولم يروا أحدًا من ورائه وأخذوا في طلبه فجعل يكر عليهم ويرجع عنهم ويقتل رجلًا بعد رجل فلما نظروا إلى شدة بأسه وعظم مراسه وهول صولته وشدة حملته أرادوا أن يسبقوه إلى الشرف ليأتوا إليه من ورائه فلما علم أنهم قد قاربوا الأعواد التي عملها وعليها الثياب خاف أن ينظروا إليها ويعلموا ما فعله من المكر فسبقهم إلى الشرف وسار أمامهم وأقبل على الأعواد مخاطبًا لها كأنه يخاطب الرجال وهو يقول‏:‏ يا أهل كندة يا أهل طريف إياكم والقوم قد أتتكم الرجال فلا تحملوا عليهم وأنا أفديكم بنفسي فإن رأيتم علي الحيف فاحملوا على القوم فمد القوم أبصارهم إليه فوجدوا عنده الثياب على الأعواد في انشقاق الفجر فلم يشكو أنهم رجال فانقلبوا راجعين نحو البحر وجعل دامس ينادي‏:‏ ألا يا قوم أقسمت عليكم أن لا تبرحوا من أماكنكم وأنا أكفيكم مؤنة القوم وحدي فرجعت بنو مهرة ناكصين على أعقابهم‏.‏

هذا قد أردف زوجته وهذا أولاده وهذا أمته وهذا أخذ ما قدر عليه من أثاثه ورجع أبو الهول إلى الحي فلم يصادف فيه إلا العبيد والصبيان والمشايخ والعجائز فأمر العبيد أن يوقروا الجمال فحملوها وكتفهم وساق الجميع قدامه وعاد وأخذ الثياب من على الأعود ولحقهم وأتى بهم ديار قومه فعجبوا منه ومن فعاله فلما سمع أبو عبيدة ذلك من خالد أقبل على سراقة وقال له‏:‏ ادع لي عبدكم حتى أنظر إليه وأسمع كلامه فأتى به سراقة فقال له أبو عبيدة‏:‏ أنت دامس‏.‏

قال‏:‏ نعم أصلح الله الأمير فقال له‏:‏ بلغني عنك عجائب وأنت وايم الله أهلها لأنك جزل من الرجال واعلم أنك وقومك تقاتلون في بلاد سهلة لا تأتون الجبال ولا القلاع ولقد اقتحمت البارحة أثر القوم اقتحامًا منكرًا فارفق بنفسك واحذر من هذا البطريق يوقنا فقال له دامس‏:‏ أصلح الله الأمير لقد غزوت مهرة وأخذت أموالها وأن جبالها منيعة شامخة رفيعة ذات وعر وحجر وما هذه بأمنع عن تلك الجبال فقال أبو عبيدة‏:‏ أنا أراك نجيبًا فهل حدثتك نفسك من أمر هذه القلعة بشيء‏.‏

فقال دامس‏:‏ أصلح الله الأمير إني لما قدمت عليك في هذا الوقت كنت رأيت في نومي رؤيا فقال أبو عبيدة‏.‏

وما الذي رأيت‏.‏

أراك الله الخير‏.‏

قال‏:‏ رأيت كأني سائر في وطأة من الأرض وأني مجد أطلب قومي فبينما أنا في مسيري إذ أشرفت عليهم وهم حائرون لا يتقدمون ولا يتأخرون فناديتهم‏:‏ يا قوم ما شأنكم وأي شيء عرض لكم في طريقكم‏.‏

فقال لي القوم‏:‏ ما ترى هذا الجبل كيف قد عرض لنا في آخر هذا الطريق وليس لنا فيه مسلك ولا مطلع فقالت‏:‏ على رسلكم ألا ترون هذه الفجوة في هذا الجبل‏.‏

فقالوا‏:‏ هيهات ليس لنا فيه مسلك ولا مطلع فقلت‏:‏ ولم ذلك قالوا‏:‏ لأن فيه ثعبانًا عظيمًا لا يمر به أحد إلا وأهلكه وقد قتل رجالًا وجندل أبطالًا فقلت‏:‏ يا قوم ألا تهجمون عليه بأجمعكم‏.‏

قالوا‏:‏ لا نقدر على ذلك لأن النار تخرج من أنفاسه وليس لنا عليه من سبيل فقلت لهم‏:‏ فالتمسوا لكم طريقًا من وراء ظهره‏.‏

فقالوا‏:‏ لا نقدر على ذلك من عظم جثته فتركتهم والتمست لي طريقًا فلم أجد إلا طريقًا صعبًا حرجًا فاقتحمته فما سلكته إلا بعد المشقة وأتيت إلى الثعبان من ورائه فقتلته ثم أشرفت على قومي فاتبعوني فما وصلوا إلا بعد جهد جهيد وهم آمنون من عدوهم ثم استيقظت فرحًا مسرورًا‏.‏

فقال أبو عبيدة‏:‏ خيرًا رأيت وخيرًا يكون يا دامس‏.‏

أما رؤياك هذه فإنها للمسلمين بشارة ولعدونا خسارة ثم قال له‏:‏ اجلس مكانك وأمر أبو عبيدة أن ينادي المسلمين فحضر رؤساء المسلمين وأعيانهم فلما حضروا قال أبو عبيدة‏:‏ الله أكبر فتح الله ونصر وحبانا بالظفر وخذل من كفر ثم قال‏:‏ يا معاشر المسلمين اسمعوا رؤيا أخيكم دامس فإنها عبرة لمن اعتبر وموعظة لمن افتكر‏.‏

قال فأقبلوا يسمعون له فعندها قام أبو عبيدة على قدميه وقال‏:‏ الحمد لله وصلى الله على رسوله وسلم ثم قال‏:‏ يا معاشر الناس إن الله سبحانه وتعالى له الحمد قد وعدنا في كتابه على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم الغلبة على أعدائنا والظفر بمرادنا وما كان الله ليخلف وعده وإني نذرت إن فتح الله هذه القلعة على يدي أصنع من البر ما استطعت والآن قد هجس في نفسي ووقع في قلبي أنا ظافرون بهذه القلعة ومن فيها إن شاء الله تعالى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم لأنه قد دلني على ذلك رؤيا هذا الغلام‏.‏

ثم قبض بكفه على زند أبي الهول وقال له‏:‏ رحمك الله حدث إخوانك بما رأيت في منامك فقام دامس قائمًا وقال‏:‏ اعلموا أني رأيت في منامي كذا وكذا وجعل يقص على الناس رؤياه من أولها إلى آخرها فلما فرغ منها أقبل المسلمون على أبي عبيدة قالوا له‏:‏ أيها الأمير قد سمعنا قوله وحفظنا شرحه فما تأويل رؤياه‏.‏

قال أبو عبيدة‏:‏ اعلموا رحمكم الله أما الجبل الذي رآه عاليًا شامخًا شديد الامتناع بين الشعاب والقلاع فذلك دين الإسلام بلا شك وسنة محمد صلى الله عليه وسلم وأما الثعبان الذي رآه وقد منع الناس وقد هجم عليه بسيفه فأمر حسن هو أن يفرج الله على يديه على المسلمين ففرح الناس بتأويل أبي عبيدة‏.‏

وقالوا‏:‏ أيها الأمير فما الذي تأمرنا به فقال‏:‏ آمركم بتقوى الله سرًا وجهرًا‏.‏

ثم المكيدة على الأعداء طوعًا وصبرًا فارجعوا إلى رحالكم حفظكم الله وأصلحوا شأنكم وآلة حربكم وما تحتاجون إليه فإني أقدمكم غداة غد إلى أعاديكم إلى أن يحدث لي رأي غير هذا فإني لست أدع الاجتهاد في الرأي والمشاورة لمن أثق به وبرأيه من المسلمين فقالوا بأجمعهم‏:‏ وفق رأيك أيها الأمير وظفرك بأعدائك إنه سيمع عليما فقال لما يريد ومضوا إلى رحالهم فجعل هذا يحد سيفه وهذا يصلح آلة حربه وفرسه وهذا يتفقد درعه وهذا قوسه ونشابه وما زالوا كذلك بقية يومهم فلما أصبحوا دعا أبو عبيدة بدامس فقال له‏:‏ أيها الولد المبارك‏.‏

ماذا ترى في أمر هذه القلعة وما عندك من الحيلة فقال دامس‏:‏ اعلم أيها الأمير أنها قلعة منيعة شامخة حصينة تعجز الوافد وتمنع القاصد في أهلها محاصرة ولا تضيق صدورهم من قتال غير أني أفكر في حيلة أحتالها أو بلية أعملها وأرجو من الله أن يتم ذلك عليهم فيكون تبديدهم ونملك بمشيئة الله ديارهم ونقلع آثارهم فقال أبو عبيدة‏:‏ يا دامس وما هي فقال‏:‏ أصلح الله الأمير أنت تعلم ما في إذاعة الأسرار من الشر والإضرار ومن كتم سره كانت فيما لديه ويقال إن دامسًا هذا أول من تكلم بهذه الكلمة فصارت مثلًا فقال أبو عبيدة‏:‏ فما الذي تشير إليه وما الذي تعتمد عليه‏.‏

قال‏:‏ تزحف بعسكرك وجملة من معك من أصحابك حتى تنزلوا بازاء القلعة ليظهر لهم منك الحرص والهيبة واعلم أن في ذلك عن الحيل ما أرجو من الله أن يتمها إن شاء الله تعالى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فأمر أبو عبيدة عسكره بالرحيل فارتحلوا ونزلوا تحت القلعة وهللوا وكبروا وأظهروا سلاحهم وأرهبوا أعداء الله تعالى قال فأشرف عليهم الروم ونظروا إلى جمعهم فهأبوهم وألقى الله الرعب في قلوبهم حتى أنهم اضطربوا في قلعتهم وماجوا وجعل كبراؤهم يستشيرون فيما بينهم‏.‏

فقال قوم نقاتلهم وقال قوم‏:‏ بل نقعد في في قلعتنا فإنهم لا يقدرون علينا ثم اجتمع رأيهم على القتال من فوق القلعة وقعدوا على الأبراج البنيان وجعلوا يرمون المسلمين بالحجارة والسهام وقد أقاموا على ذلك ليلًا ونهارًا ودامس مع ذلك يعمل حيلة يصل بها إليهم بسوء‏.‏

قال‏:‏ فلما كان بعد السبعة والأربعين يومًا أقبل دامس على أبي عبيدة وقال له‏:‏ أيها الأمير قد عجزت وأنا أعمل حيلًا فما صدر من يدي في حقهم شيء وقد افتكرت في شيء وأرجو من الله أن يكون به الظفر والظهور على أعداء الله‏.‏

فقال أبو عبيدة‏:‏ وما الذي دبرت‏.‏

قال‏:‏ لضيف إلي من صناديد الرجال ثلاثين رجلًا وتأمرهم بالطاعة وترك المخالفة والاعترض علي فيما آمرهم به وأفعله وأراه‏.‏

فقال أبو عبيدة‏:‏ سأفعل ذلك ثم ضم إليه ثلاثين رجلًا من الشجعان حتى إذا اجتمعوا قال لهم أبو عبيدة‏:‏ معاشر المسلمين إني قد أمرت دامسًا عليكم وأمرتكم بالطاعة والقبول لأمره واعلموا رحمكم الله أتي ما أمرته عليكم لكونه أجل عنكم حسنًا ونسبًا ولا أعظم موكبًا ولا أشد بأسًا ولا أكثر مراسًا فلا يقل أحدكم إني قد أمرت عليكم عبدًا احتقارًا بكم وبالله أحلف مجتهدًا لولا ما يلزمني من تدبير هذا العسكر لكنت أول من ينطلق معه في جمعكم وأنا أرجو من الله أن يفتح على يديكم فأقبلوا عليه بجمعهم وقالوا‏:‏ أصلح الله الأمير ما نشك في إعظامك لنا ومعرفتك بسابقتنا ولقد كان كلامك الأود أثر في نفوسنا وها نحن لك وبين يديك ولو أصرت علينا علجًا أغلف لم نخرج لك من أمر ولا رأي إذ علمنا أنك لا تريد إلا نصحًا للدين وحياطة فالسمع والطاعة لله ثم لك ثم لمن وليته علينا من قبلك كائنًا من الناس أجمعين‏.‏

قال ففرح أبو عبيدة بما قالوه ووثق بكلامهم وجزاهم خيرًا وقال لهم‏:‏ اعلموا رحمكم الله تعالى أن نفسي تحدثني أن الله تعالى يفتح هذه القلعة على يد هذا العبد المقبل لأنه دقيق الحيلة حسن البصيرة فسيروا معه وثقوا بالله وتوكلوا عليه وقد تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولى قوادًا على سادات العرب من المسلمين والأشراف من عشيرته ثم أقبل على دامس‏.‏

فقال له‏:‏ يا دامس ما الذي تحب بعد هذا قال‏:‏ ترحل أنت بجيشك من وقتك هذا فتكون منا على مسيرة فرسخ فتنزل بالعسكر وتأمرهم بقلة الحركة وأن يختفوا ما استطاعوا أو يكون لك رجال تثق بشدتهم ونصحهم للمسلمين يتجسسون عن أخبارنا وآثارنا من غير أن يعلم بهم وبنا أحد ويكونون بغير سلاح سوى الخناجر فإذا عاينوا منا الظهور على أعدائنا والظفر بهم لحقوك وبشروك بذلك فتلحق بنا إن شاء الله تعالى وليكونوا متفرقين في موضع واحد فإن ذلك أسلم لهم وأبلغ لما يريدون من أمورهم والله المستعان في جميع الأمور والأحوال‏.‏

فعلم أبو عبيدة أنه نصيح من الرجال صاحب رأي وبصيرة ثم إن دامسًا أقبل على رفاقه الذين ولي عليهم وقال لهم‏:‏ يا فتيان العرب انهضوا بنا بارك الله فيكم حتى نكمن في بعض هذا الوادي ما دام الناس عازمين على الرحيل لئلا تشرف الروم فينظروا إلى رحيلنا فلا يتفق لنا أن نطلب لنا مكمنًا إذا أشرفوا من أعلى حصنهم وليكن مع كل رجل منكم سيفه وحجفته وخنجره لا غير ففعلوا ذلك فلما تكاملوا لبس دامس لامة حربه وجعل خنجره تحت أثوابه وأخذ جماعته وخرج بهم حتى إذا فارق العسكر جعلوا يخفون آثارهم وأشخاصهم وهو سائر بهم حتى أتى بهم كهفًا في الجبل فأمرهم بالدخول إليه وجلس على بابه‏.‏

قال‏:‏ وأما أبو عبيدة فإنه أمر الناس بالرحيل بعدما رتب الرجال كما وصاه أبو الهول فارتحل العسكر وأشرف عليهم أهل القلعة فرأوهم يرحلون ففرحوا بذلك وسروا سرورًا عظيمًا وصاروا يصيحون على المسلمين من أعلى القلعة وقالوا لبطريقهم‏:‏ أيها السيد افتح لنا الباب حتى نخرج وراء العرب فلعل أن نقتل أحدًا أو نأسره فنهاهم عن ذلك قال وداموا بقية يومهم إلى العشاء‏.‏

فقال دامس لأصحابه‏:‏ من فيكم ينهض إلى تحت القلعة ويأتينا بخبر منها إذ يقدر على رجل يأسره فيأتينا به فنأخذ منه خبرًا فلم يجبه أحد فقال‏:‏ أنا أعلم أن ما في هذه الجماعة إلا من هو ضنين بنفسه كاره للموت وأنا لكم الفداء فانظروا كيف تكمنون ثم تركهم دامس ومضى فغاب عنهم ساعة وإذا به قد أتى ومعه علج وقال لهم‏:‏ يا فتيان العرب دونكم هذا فاسألوه فسألوه فلم يفقهوا قوله‏.‏

فقال‏:‏ على رسلكم فغاب غير بعيد وأتى بثلاثة أخر فلم يكن فيهم من يفهم بلغة العرب‏.‏

فقال دامس‏:‏ لعن الله هؤلاء ما افظع لغتهم وأكثر طمطمتهم ثم أوثقهم كتافًا وغاب إلى أن مضى من الليل نصفه ولم يأت فقلق عليه أصحابه قلقًا شديدًا واغتموا عليه وقال بعضهم لبعض‏:‏ أنا أقول إن دامسًا قد فطن به فقتل أو أسر وماجوا في ذكره وهموا أن يرجعوا إلى العسكر فبينما هم في ذلك إذ دخل إليهم دامس وهو يقود رجلًا من الروم فتواثبوا إليه وقتلوه بين عينيه وسألوه عن إبطائه وقالوا له‏:‏ يا دامس لقد حدثتنا نفوسنا بالعظائم وصعب علينا إبطاؤك عنا‏.‏

فقال‏:‏ اعلموا رحمكم الله تعالى‏:‏ أني لما فارقتكم سرت إلى قريب من سور القلعة وكمنت لهم وهم يمرون علي وهم يرطنون بلغتهم وأنا لا أتعرض للقوم كل ذلك وأنا أطلب من يتعرض للعربية ويتكلم بها فلم أر أحدًا حتى أيست وهممت بالرجوع خائبًا إذ سمعت هدة شديدة قد وقعت من أعلى السور فأسرعت إليها لأنظر إليها ما هي فإذا أنا بهذا الرجل وقد ألقى نفسه من القلعة إلى أسفل السور فبادرت إليه وأخذته وأتيت به إليكم فانظروا ما هو‏.‏

فدنوا إليه وخاطبوه فلم يكلمهم إلا بلغته وإذا به قد انفتحت جبهته‏.‏

فقال لهم دامس‏:‏ اعلموا أن له شأنًا وأي شأن وإني أظنه هاربًا من القوم وليس فيكم من يفهم ما يقول ولكن على رسلكم فأنا آتيكم بمن يتكلم بلسانه وبالعربية ثم أسرع دامس من عندهم فلم يكن إلا قليل وإذ به قد عاد ومعه رجل قد نزلت عمامته في رقبته وهو يقوده حتى مثله عندنا‏.‏

فقالوا له‏:‏ من المدينة أنت أم من القلعة‏.‏

فقال له دامس‏:‏ ممن أنت تكون أمن الروم أم من العرب المتنصرة‏.‏

قال‏:‏ ولكني مع العرب المتنصرة‏.‏

فقالوا‏:‏ يا هذا هل لك أن تطلعنا على عورات القلعة أو عورة من عوراتها ونحن نطلق سبيلك ولا يتعرض إليك أحد بسوء‏.‏

فقال‏:‏ يا هؤلاء لست أعرف لهذه القلعة عورة ولا طريقًا ولو عرفت لما وسعني في ديني ولا رأيت أن أدلكم عليها وحق المسيح‏.‏

قال فانغاظ منه دامس وقال له‏:‏ اسأل هؤلاء الأسارى هل فيهم أحد من أهل الربض فإن بيننا وبينهم صلحًا‏.‏

قال‏:‏ فسألهم فلم يجد فيهم أحدًا من أهل الربض بل كلهم من أهل القلعة وأنا أعرفهم‏.‏

فقال له دامس‏:‏ فاسأل هذا الرجل لم طرح نفسه من السور وما دعاه إلى ذلك‏.‏

فسأله فقال له‏:‏ إنه يقول إن الملك يوقنا غضب على أهل الربض لأجل صلحهم لكم وبعث يتهددهم فلما انصرفت العرب نزل يوقنا فجمع رؤوسهم وأصعدهم إلى القلعة وأنا في جملتهم وطلب منا من الأموال ما لا طاقة لنا به ولا نقدر عليه فلما رأيت ما قد نزل بنا هربت وألقيت نفسي من القلعة أطلب الفرج وأنجو من العقوبة فلم أشعر إلا وأنت قد قبضت علي وأنا من أهل الربض فإن كنتم من العرب فأنا في ذمتكم وأمانكم فلا تنكثوا ولا تغدروا وإن كنتم من غيرهم فاطلبوا مني ما أردتم من الفداء فإني قد هربت من العقوبة‏.‏

فقال له دامس‏:‏ قل له نحن من العرب ولا بأس عليك ولا خوف ولا ينالك منا سوء وأراد دامس أن يرى الربض ما يفعل بأعدائه فأخرج الروم والمتنصرة وضرب رقابهم ولم يدع غير الربض ثم أطلقه واستمروا إلى الليل وعمد دامس إلى مزوده فاستخرج منه جلد ماعز وألقاه على ظهره وأخرج كعكًا يابسًا وقال لأصحابه‏:‏ بسم الله استعينوا بالله وتوكلوا عليه وأخفوا نفوسكم وقدموا الحزم في أموركم فإني معول على فتح هذه القلعة إن شاء الله تعالى‏.‏

فقالوا‏:‏ سر على بركة الله تعالى فقاموا مسرعين وتقده دامس وبعث رجلين من أصحابه يعلمان أبا عبيدة بشأنهم ويقولان له‏:‏ ابعث الخيل عند طلوع الفجر‏.‏

قال‏:‏ فانطلق الرجلان وصعد دامس ومن معه تحت الظلام ودامس على المقدمة يمشي على أربعة والجلد على ظهره وكلما أحس بشيء قرض في الكعك كأنه كلب يقرض عظمًا وهم من ورائه يقفون أثره وهم يستترون بين الأحجار فلا زالوا كذلك حتى لاصقوا السور وسمعوا أصوات الحرس وزعقات الرجال من أعلى القلعة والحرس شديد فلم يزل دامس دائرًا بهم حول السور إلى أن أتى إلى مكان لم يجد به حسًا وإذا بحرسه قد ناموا وراء المكان ولم يروا في السور أقرب منه‏.‏

فقال دامس لأصحابه‏:‏ أنتم ترون هذه القلعة وعلوها وتحصينها وليس فيها حيلة لشدة الحرس ويقظة القوم فما الذي ترون من الرأي أن نصنع بها وكيف الحيلة في الصعود إليها إلى أن نحصل في وسطها فقالوا‏:‏ يا دامس إن الأمير أمرك علينا وأنت أدرى منا وأجرأ أجنانًا ونحن لك بين يديك فمهما رأيت فيه الصلاح للمسلمين فلا نأخر عنه ووالله إن قتل نفوسنا وذهاب أرواحنا أسهل علينا من الرجوع بغير فائدة فمنك الأمر ومنا السمع والطاعة فليس منا من يتأخر عنك ولا نموت إلا تحت ظلال السيوف وفي طاعة الله ونصرة دين الإسلام‏.‏

فقال دامس‏:‏ شكر الله فضلكم ورزقكم النصر على أعدائكم فإن كانت هذه نيتكم فالتصقوا بنا إلى هذا المكان‏.‏

قال‏:‏ وكانوا ثمانية وعشرين رجلًا واثنان كانوا أرسلوهم إلى الأمير يعلمانه بأن يأتي إليهم في الصبح‏.‏

فقال لهم دامس‏:‏ أفيكم من يقدر على الصعود على هذه القلعة فقلنا له‏:‏ يا أبا الهول وكيف لنا أن نرقى إليها وعلى أي شيء نصل إلى أعلاها بغير سلم فقال‏:‏ على رسلكم ثم إنه اختار منا سبعة رجال كالأسد الضواري لو كلفوا حمل ذلك البرج على مناكبهم لما عظم ذلك عليهم ثم جلس على قرافيصه وقال لأحد السبعة‏:‏ اجلس على منكبي وارم بحبلك إلى الجدار واجلس كما أنا جالس ففعل الرجل ما أمر به وأمر آخر أن يفعل ويصعد على منكبي الآخر وأن يرمي بقوته على الجدار قال ففعل ثم إنه لم يزل يصعد واحد بعد واحد إلى أن صعد الثامن بقوته على الجدار وهم متمسكون به فعند ذلك أمر الأعلى أن يقوم قائمًا وان يطرح حبله على الجدار فقام الأول وقام الثاني ثم قام الثالث ثم قام الرابع والخامس والسادس وكل واحد منهم قد طرح نفسه على الجدار ثم قام دامس آخرهم فإذا الأعلى قد وصل إلى شرافة السور وتعلق بها فاستوى على السور ونظر إلى حارس ذلك المكان فوجده نائمًا وهو ثمل من الخمر فأخذ بيده ورجله ورماه فلما وصل إلى الأرض قطعوه وأخفوا جسده ووجد من أصحابه اثنين سكارى وهم رقود فذبحهم بخنجره ورمى بهم ثم أرخى عمامته لصاحبه ونشله إليه فإذا هو معه على السور وكان دامس قد أعطاه حبلًا فبقوا ينشلون به بعضهم إلى أن تكاملوا على السور وأصعدوا من بقي معهم على الأرض وكان آخر من صعد أبو الهول‏.‏

فقال لهم‏:‏ مكانكم حتى أقفو الخبر وأكشف لكم الأثر ثم إنه أتى إلى دار البطريق وهو في وسط القلعة وإذا عنده سادات البطارقة وأكابرهم وهم جلوس وبين أيديهم بواطي الخمر ويوقنا جالس في وسطهم على بساط من الديباج منسوج من الذهب وعليه بدلة من اللؤلؤ ومحصب بعصابة من الجوهر والقوم يشربون والمسك والبخور يفوح عندهم فعاد دامس إلى أصحابه وقال‏:‏ اعلموا أن القوم خلق كثير وإن هجمنا عليهم فلا نأمن الغلبة من كثرتهم ولكن ندعهم فيما هم فيه فإذا كان وقت السحر هجمنا على يومنا ومن معه من الملوك نقتلهم بسيوفنا فإذا ظفرنا بهم وذلهم الله لنا وعلى أيدينا فهو الذي نريد وإن كان غير ذلك فيكون الصباح قد قرب ولا شك أن الرجلين من أصحابنا قد أعلما خالد بن الوليد فيأتينا‏.‏

فقالوا‏:‏ ما نخالف لك أمرًا ونحن قد صرنا في قلعة هؤلاء الأعداء وليس ينجينا إلا صدق جهادنا والعزم والشدة من قوتنا‏.‏

فقال لهم‏:‏ مكانكم فلعل أن يفتح الباب‏.‏

قال‏:‏ وكان للقلعة بابان وبينهما دهليز والبوابون داخلهما والرجال تنام عندهم بالنوبة فلما وصل دامس إلى الباب وجده مغلقًا وإذا بالقوم رقود من السكر فعاجلهم بالذبح ثم فتح البابين وتركهما مردودين ورجع إلى أصحابه وقد قرب الفجر فقال لهم‏:‏ أبشروا فإني قد فتحت البابين وقتلت من كان وراءهما فدونكم والباب فاسبقوهم إليه وخذوه عليهم فقد بقي القوم حصيدًا بأسياف المسلمين إن شاء الله تعالى‏.‏

قال‏:‏ وأرسل من يستعجل خالدًا ويبشره بذلك ثم أرسل خمسة من أصحابه يمسكون الباب وأخذ الباقين ومشى نحو دار يوقنا فصاحوا عليه ووقع الصياح في القلعة فرجعوا بأجمعهم إلى الباب وأخذ كل واحد منهم مكانًا يحميه فعندها جاءت الأبطال وصاحت الروم ويلاه كيف تمت علينا هذه الحيلة وصرخ يوقنا بأصحابه فأتوا من كل جانب فعندها كبر المسلمون ونادوا بلسان واحد‏:‏ الله أكبر فخيل للروم أن القلعة ملآنة منهم‏.‏

قال ابن أوس‏:‏ وقاتلت الروم قتالًا شديدًا وأما المسلمون فكانوا كالأسد الضارية فما رأيت أقوى بأسًا ولا أشد مراسًا من دامس أبي الهول في ذلك اليوم فلقد عددنا في بدنه بعدما انفصلنا ثلاثة وسبعين جرحًا كلها في مقدم بدنه‏.‏

قال فبينما نحن في أشد القتال ونحن يده بعضنا بعضًا وقد بقي منا ثلاثة وعشرون وقتل منا أربعة وهم أوس بن عامر الحزمي

  قال الواقدي

‏:‏ لقد حدثني نوفل بن سالم عن جده غويلم بن حازم وكان ممن صحب دامسًا في قلعة حلب قال‏:‏ لما قتل من قتل منا وقد قتل أيضًا ملاعب بن مقدام بن عروة الحضرمي وكان ممن حضر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديبية وتبوك ومرارة بن ربيعة العامري وهلال بن أمية وهو ابن أخي كعب الذي تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبوك وأنزل الله فيه ما أنزل قال وبقينا عشرين رجلًا وتكاثرت الروم علينا في أزيد من خمسة آلاف وهم سد من حديد قال ونحن قد أيسنا من الحياة دخل علينا خالد بن الوليد ومعه جيش الزحف فوجدنا ونحن في أشد ما يكون من القتال فلما دخلوا علينا صاح فيهم خالد فجفلت الروم عنا‏.‏

قال أوس‏:‏ فلما رأينا كذلك وانفرج عنا ما كنا فيه اشتدت قلوبنا فعندها كبرت المسلمون ودخل ضرار وأمثاله يضربون رقابهم فلما رأى الروم ذلك وعلموا أنهم لا طاقة لهم بما وقع بهم ألقوا السلاح ونادوا الغوث الغوث وكفوا أنفسهم عن القتال فكفت المسلمون أيديهم عنهم فبينما هم كذلك إذ أقبل أبو عبيدة ومعه عساكر الإسلام فأخبروه أن الروم يطلبون الأمان وأن المسلمين قد رفعوا عنهم القتل إلى أن تأتي وترى فيهم رأيك فقال أبو عبيدة‏:‏ قد وفقوا وسددوا فأمر بإحضار رجالهم ونسائهم وعرض عليهم الإسلام فكان أول من أسلم بطريقهم يوقنا وجماعة من ساداتهم‏.‏

قال فرد عليهم أموالهم وأهاليهم واستبقى منهم الفلاحين وعفا عنهم من القتل والأسر وأخذ عليهم العهود أن لا يكونوا إلا مثل أهل الصلح والجزية وأخرجهم من القلعة‏.‏

قال‏:‏ ثم أخرج المسلمون من الذهب والأواني ما لا يقع عليه عمد فأخرج منه الخمس وقسم الباقي على المسلمين وأخذ الناس في حديث دامس وحيله وعجائبه وعالجوا جراحته حتى برأت قال وأعطاه أبو عبيدة سهمين ثم إن أبا عبيدة طلب أمراء المسلمين وأكابرهم وشاورهم في أمره وقال‏:‏ إن الله وله الحمد قد فتح هذه القلعة على أيدي المسلمين وما بقي لنا موضع نخافه فهل نقصد أنطاكية وهي دار الملك وكرسي عزهم وفيها بقية ملوكهم مع هرقل فما ترون من الرأي‏.‏

قال فعندها قام البطريق يوقنا وتكلم بلسان عربي فصيح وقال‏:‏ أيها الأمير إن الله تبارك وتعالى قد أيدكم وأظفركم بعدوكم ونصركم وما ذاك إلا أن دينكم هو الدين القويم والصراط المستقيم ونبيكم هو المشهور في الإنجيل وهو لا محالة الذي بشر به المسيح ولا شك فيه ولا مراء وهو الفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل وهو النبي الكريم اليتيم الذي يموت أبوه وأمه ويكفله جده وعمه فهل كان ذلك أم لا أيها الأمير‏.‏

فقال أبو عبيدة‏:‏ نعم هو نبينا صلى الله عليه وسلم وإني يا يوقنا قد حرت في أمرك وأنت بالأمس تقاتلنا ومرادك أن تكسر عسكرنا وتقطع الطريق على علوفتنا واليوم تقول مثل هذا القول وقد بلغني أنك لا تفهم بالعربية شيئًا فمن أين لك حفظها‏.‏

فقال‏:‏ لا إله إلا الله ومحمد رسول الله وإنك تعجب أيها الأمير من هذا الأمر قال‏:‏ نعم قال له‏:‏ اعلم أيها الأمير إني كنت البارحة مفكرًا في أمركم وقد وصلتم إلى قلعتنا ونصرتم علينا وإنه لم يكن عندنا أمة أضعف منكم وتوسوست في ذلك فلما نمت رأيت شخصًا أبهى من القمر وأطيب رائحة من المسك الأذفر ومعه جماعة فسألت عنه فقيل لي‏:‏ هذا محمد رسول الله فكأني أقول إن كان نبيًا حقًا فليسأل ربه أن يعلمني العربي وكان يشير إلي وهو يقول‏:‏ يا يوقنا أنا محمد الذي بشر بي المسيح وأنا لا نبي بعدي وإن أردت فقل لا إله إلا الله وإني محمد رسول الله فأخذت يده فقبلتها وأسلمت على يديه واستيقظت وفمي من تلك الليلة كالمسك الأذفر وأنا أتكلم بالعربية ثم إني قمت إلى منزل أخي يوحنا وفتحت خزانة كتب فوجدت في بعض الكتب صفة محمد صلى الله عليه وسلم وما يكون من أمره ووجدت كل الصفات صحيحة وإن أبغض الخلق إليه اليهود أكان ذلك أيها الأمير أم لا فقال أبو عبيدة‏:‏ نعم كانت اليهود تطلبنا أشد الطلب حتى نصرنا الله عليهم وأخذ حصونهم وقتلنا أبطالهم‏.‏

قال يوقنا‏:‏ وجدت هذا في سيرته وجملة أخباره وأن الله تعالى كان يوصيه بأصحابه وبالمسلمين وبالأيتام والمساكين أكان ذلك أم لا‏.‏

 

 

İbnu’l-Adîm’in Buğyetu’taleb Fi Tarihi Haleb adlı eserinde Dâmis Ebu’l-Hevl

 



 





Yorumlar

Popüler Yayınlar